التعليم فى السودان الحاضر والمستقبل ...

الأحد، 28 فبراير 2010

مدخل:لا مجال للخلاف أو الاختلاف حول أهمية التعليم للانسان، ولعل أفضل برهان على هذه الفرضية أن (إقرأ) كانت فاتحة ما نزل به الوحي على سيد الخلق ومفتاح المعرفة الذي لا يصدأ। وهذه الورقة، إذ تستصحب ذلك وتنطلق منه، إنما تسعى لتجوس في محيط حمى التعليم متلمسة ما اصاب هذا القطاع جراء سياسات كلية لم يشفع حسن النية وراء اتخاذها في تبرير ما جرته على التعليم من تشوهات.المحاور:1- في الوقت الذي تشهد فيه توسعاً أفقياً في مقار التعليم فان الاحصائيات تطالعنا من حين لآخر بعدد من هم خارج نطاق التعليم في مجتمع البدو والراحلين خلف قطعان الماشية مضافاً إليهم ما يماثلهم أو يكاد من الفاقد التربوي بالمدن، فلا يخفى ما يترتب على ذلك من حرمانهم من أهم عناصر بناء الشخصية السوية، الشئ الذي يجعلهم أسرى خيار وحيد راجح الكف إلا وهو الانحراف وأعوجاج السلوك وتلك أولى بوابات الدخول إلى عالم (الشماسة) والمتفلتين وضحايا قاع المجتمع.وبالتالي فان ذلك يضع مسؤولية الدولة نحو الفرد بين خيارين: تحكمان مسيرته الحياتية، أما أن يصبح خصماً أو اضافة بيد ان الصيرورة إلى الاضافة فى هذه الحالة تصبح حلماً عصي المنال لانبهام السبل المفضية إليه.2- يعتبر المنهج من أهم الركائز التي تقوم عليها العملية التعليمية ويعتبر ثباته وتلبيته للأهداف الكلية مسألة ضرورية لنجاحات التطبيق بيد أن المتابع يلحظ ما أصاب المنهج من تعديل وتبديل وكثافة غير مبررة في مقرر الصفوف الدنيا بمرحلة الأساس بما لا يتناسب والمرحلة العمرية للمتلقين ولا تخدم الغرض النبيل الذي تسعى إليه العملية التعليمية خاصة في مادتي التربية الاسلامية واللغة العربية، وأضف إلى ذلك ما لحق بمادتي التاريخ والجغرافيا حتى غدا البحث عنهما بين طيات الكتب التي قيل انها تضمنتها، كالبحث عن إبره في كوم من القش.3- كان التعليم مبرمجاً على ثلاث مراحل ذات قيد زمني محسوب ومتساوي لكل مرحلة يراعي مراحل النمو البدني والعقلي للدارس ويضع في الاعتبار القدرة على الاستيعاب وهضم المادة إلى جانب عوامل تربوية وسيكولوجية ترتبط بالتأثير وبناء الشخصية في وسط متساوي الأعمار والقدرات ويقوم على ذلك كادر بشري نال من التدريب العلمي والعملي ما يؤهله لأداء المهمة على الوجه المطلوب.ولكن، أتى على التعليم حين من الدهر أدخل في دوامة السلالم التعليمية سداسية وثمانية وما تبع ذلك من تعديل وتبديل وتخريب انعكست آثاره سلباً على المحصلات النهائية. وكانت الطامة الكبرى إلغاء المرحلة الوسطى ودمجها فيما سمى بمرحلة الأساس مما أدى إلى خصم عام كامل من سنوات الدراسة التي كانت سائدة وتبع ذلك مثالب كثيرة ذات ضرر صارت تتكشف عاماً بعد عام.4-قيام جامعات على أنقاض مؤسسات عريقة كانت صروحاً علمية يعتبر الانتماء إليها غاية المنى لكل طالب معرفة على امتداد رفعة الوطن. وفي هذا نشير إلى حنتوب وأخواتها.وتزامن مع ذلك تصفية معاهد التربية على أهميتها ودورها المفصلي بالنسبة للمنهج والمعلم وللعملية التعليمية من ألفها إلى بائها دون بيان مقنع للحكمة من انتهاج هذا المسلك التدميري الأسيف. وأردفت بالتصفية الخصخصة وامتد داؤهما ليصل إلى بيع مدارس قائمة وتحويلها إلى مشاريع استثمارية.5- وصل التفريط الممنهج منتهاه بخصخصة المطبعة الحكومية بكل ما يمثله هذا القرار القريب من تجاوز وطمس لدور مؤسسة تمثل الضمانة غير المشوبة لسلامة الكتب المنهجية اشرافاً وطباعة وتوزيعاً، وتلك لعمري جرأة على غض البصر عما سيقود إليه هذا الاجراء من اهتزاز للثقة في صحة وسرية الامتحانات التي كانت مضرب المثل.6- يتكامل مع كل ما سبق تغذية النعرة الجهوية وذلك بنأى المركز عن القيادة المتكاملة للمسألة التعليمية ليضيع على الوطن جراء ذلك عنصر هام من عناصر التوحد والانصهار واكتساب الخبرات وتلاقحها عبر كشف التنقلات الموحد والذي كان سائداً ولم تكن سيادته نابعة من فراغ. ويكفي إمعان النظر في تجربة الأستاذ وكذلك التجارب الثرة لغيره من جيل الرواد.خلاصة:لا تدعي هذه الورقة ملكية حل سحري ولكنها لا تكتفي بملامسة مواضع الداء وحسب بل تقترح بعض نقاط تبتدر بها خريطة لطريق الحل ويمكن أن يبني عليها الحادبون.أ/ اختيار مجموعة من التربويين الخلص، وإيكال الامر إليهم بكامل التفويض واصلاحيات لتقييم وتقويم التجربة وصولاً لإزالة كل الأوشاب والحشائش السامة والطفيلية واعمال الجراحة للأزمة لإزالة كل البثور والفقاقيع الخبيثة عن جسد التعليم.ب/ ترسيخ القاعدة المسنودة بالأثر الخالد والتي تذهب إلى ان التعليم فرض عين. وبمقتضى ذلك فان شعار قومية التعليم وإلزامية يجب ان يكون هو الغالب. الأمر الذي يحتم النأى به عن وحل السياسة والسمو به عن سندان التوالي ومطرقة الولاء سواء على مدرجات التلقي أو الادارة والاتحادات.ج/ صحيح ان سياسة الأمر الواقع قد جعلت وصورت ورسخت وجود جامعة بكل ولاية ما بدا وكأنه مكسب دون التخلي عنه خرط القتاد. وصحيح أيضاً ان عدد كبير من الجامعات ازدانت بها بعض المدن كمأوى لا ينكر هيبته وجدواه إلا مكابر ولكن يبقى من الضروري أن نمتلك الشجاعة للاجابة على السؤال المشروع: هل العبرة تكمن في المظهر أم الجوهر؟ وكيف نوائم بين الهدفين ليستقيم الأمر؟ وعلى ضوء الاجابة يتم القياس.
محمد محمد أحمد الأمين الأحدب: الصحافة

0 التعليقات: